الخرجتاريخ وحضارة

الخرج في اللغة هو الوادي الذي لا منفذ له وهذا يصدق على هذه المحافظة الهامة حيث أن الأودية التي تصب فيها تتجه شرقاً في روضة السهباء وتحجزها رمال الدهناء، والخرج على زنته أيضاً المراد به الغلة مما يخرج من الأرض ومنه قول الله: (أم تسألهم خرجاً فخراج ربك خير).. والخراج هو ما ينطبق على الخرج فهي منطقة زراعية منذ أقدم العصور، والتسمية قديمة منذ عهد جديس حيث يقول شاعر الملك الحميري أسعد أبي كرب الأوسط: وبعثنا إلى اليمامة جيشاً وجعلنا الخرج منزل قيس فأتيناهمُ بحزم وجد قد أقروا بالخرج من غير عهد ويقول الشاعر عبيد بن الأبرص الذي عاش في العصر الجاهلي وهو من أصحاب المعلقات : تغيرت الديار بذي الدفين فخرجي ذروة فلوى ذيال فأودية اللوى فرمال فلين يعفي آية مر السنين هذا إلى جانب الاسم القديم جو وينسب إلى الخضرمة أو الخضارم فيقال الخضرمة «جو الخضارم».... قال الأعشى بن قيس عند قدومه إلى هوذة بن علي الحنفي: تجانف عن جل اليمامة ناقتي فلما أتت آطام جو وأهله وما قصدت من أهلها لسوائكا أناخت وألقت رحلها بفنائكا

يعتبر إقليم الخرج من منطقة العارض في قلب اليمامة بنجد. فهي الجزء الأوسط تقريباً وبالتحديد في الجنوب الشرقي من عاصمة المملكة وتبعد عنها حوالي 85 كم. وتقع بين خطي طول 46-45ْ وخطي عرض 23-25ْ وترتفع عن سطح البحر بحوالي 1350 قدماً حيث تقع على مرتفعات حزمية وسهول منبسطة ومياهها جوفية وتكثر بها الآبار السطحية، حيث إنها تقع على حوض جيولوجي مكون من الصخور الرملية الحديثة وتنتمي إلى الجهات المدارية الجافة حيث المناخ القاري الذي يميل إلى الاعتدال في بعض الأحيان. والخرج: ناحية مشهورة ورد ذكرها في معاجم البلدان وكُتبها حيث كانت ذات تاريخ عريق يرجع إلى العرب البائدة.

عاش على أرضها أمم وقبائل وشعوب شتى، خلدت الكُتب التاريخية ذكرها. ولم نعثر على بداية لها مما يدل على عراقتها وهي ذات موقع استراتيجي وخير وادٍ في اليمامة والخَرْج بفتح أوله وتسكين ثانيه وآخره جيم وتعني أنها تخرج المياه والخيرات، والخرج خلاف الدخل وهو لغة في الخراج ومنه اجعل لنا خرجاً. وهي مأخوذة من الخراج حيث كانت تمد خراجها إلى مكة والمدينة وما جاورها (الحجاز) وذلك في الجاهلية وبدء الإسلام عندما كانت تحت زعامة الدولة الحنفية ومركز اليمامة في ذلك الوقت. ولم تُعرف بهذا الاسم إلا من ذلك الوقت حيث أُطلق عليها اسم الخرج نسبة إلى أنها سلة الخبز للجزيرة العربية وقاعدتها (الدلم).

وحسب الدراسات الجيولوجية والكشوفات الأثرية حيث دلت على أن منطقة الخرج جنة من الفردوس المنثورة على الأرض تغمرها الأشجار والأزهار وتتدفق فيها العيون والأنهار حين يوجد بها أكثر من 360 عيناً جارية. وتتكاثر فيها الحيوانات والطيور ويجد فيها الإنسان رزقه بأهون سبب حتى أصبحت بمرور الأزمنة بلاداً جافة حارة غاضت ينابيعها وعادت جناتها صحاري شبه مقفرة، وكانت آنذاك مطمعا لكل طامع عندما سمعوا بخيراتها استولوا عليها وعاشوا فيها ولم يدون التاريخ شيئاً من أخبار أقوام ينتمون إلى عاد وثمود، حتى سكنها في العصور الجاهلية بعض القبائل العربية ذات القوة والمنعة وكثرة العدد من العرب البائدة فمنهم قبيلتا طسم وجديس ودولة كنده ثم دولة بنو حنيفة ثم الدولة الإخيضرية والعائذية وأخيراً الدولة السعودية.

لقد طالت اليمامة تحت سيطرة دولة بنو حنيفة في عهد النبوة وعهد الخلفاء الراشدين والعصر الأموي والعباسي الذي استمر 121عاما إلى أن استولى عليها حمود بن يوسف الأخيضري عام 253هـ وأقام دولته ويتخذ من الخضرمة قاعدة لملكه حتى سقطت دولتهم على يد القرامطة عام 325هـ وبقيت الخرج فترة من الزمن لا يعرف شيئاً من تاريخها أصبحت إمارة صغيرة وفي مطلع القرن الثامن تغلب بنو عائذ، وبوصول الجبور إلى السلطة في الأحساء عند مطلع القرن التاسع الهجري برز نفوذهم على نجد ومنها الخرج، وفي القرن العاشر سادت الولاية للعثمانيين بعد سقوط الجبور حيث دانت للإشراف وفي عام 1095هـ توطدت الزعامة في الخرج لآل عائذ وكانت قاعدتها (الدلم) واستمرت إلى الدولة السعودية الثالثة عندما افتتح الملك عبد العزيز الرياض. ولقد طالت الصراعات بينهم وبين الدولة السعودية الأولى والثانية في الدرعية.

وكانت قبل ذلك تُسمى جو وقاعدتها الخضرمة عندما كانت سكناً لقبيلة جديس وبعدها شملها اسم اليمامة نسبة إلى اليمامة بنت سهم بن طسم حيث كانت قبيلتها طسم تسكن العرض وادي حنيفة وهي متزوجة من جديس، ومع كل ذلك فقد كانت الخرج في ذلك الوقت تشتمل على عدد من البلدان كالدلم واليمامة والسلمية والضبيعة والخضرمة وبرقة والخفس وماوان وتوضح ونحوها.

فهي عبارة عن قرى عامرة ومزارع ونخيل عاشت على أرضها عدة حضارات سطر التاريخ اسمى معانيها فكان الكل يحسب لها الف حساب حيث العدو يخشاها والصديق يتمناها والمسافر يغشاها. كانت في السابق كثيرة المياه تتجه إليها كثيراً من السيول وكأنها ممر له يقول عنترة بن شداد.

شربت بماء الدحرضين فأصبحت * * * * زوراء تنفر من حياض الديلم

وورد في معجم البلدان قوله: يضربن بالأحقاف قاع الخرج * * * * وهنَّ في أُمنية وهرج

وقال ذو الرمة: هطولة ٌ منْ خزامى الخُرجِ هيَّجها * * * * مِنْ نَفْحِ سَارِيَة ٍ لَوْثَآءَ تَهْمِيمُ

وقال جرير بن عطية الخطفي: يا حبذا الخرج بين الدام والأدمي * * * * فالرمث من برقة الروحان فالغرف

ويقول الأعشى: ويوم الخرج من قدماء هاجت * * * * صباك حمامة تدعو حماها

اكتشاف مواقع في الخرج عمرها 100 ألف عام

كشفت بعثة سعودية فرنسية مشتركة للتنقيب الأثري ضمن البعثات السعودية الدولية التي تشرف عليها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني عن مواقع يعود تاريخها إلى 100 ألف عام تقريباً في عدد من الجبال في جنوب الرياض وتحديداً في محافظة الخرج. وشمل المسح الميداني للبعثة الجبال المحيطة بالخرج والجبال المطلة على وادي نساح، وجزء من الجبال المطلة على وادي ماوان، وعين فرزان، والجبال المطلة على بلدة الشديدة، حيث تم الكشف عن مواقع تعود للعصر الحجري القديم في محافظة الخرج يعود تاريخها إلى 100 ألف عام تقريباً، وهي المرة الأولى التي تكتشف فيها مواقع من فترة العصر الحجري القديم في محافظة الخرج، إضافة إلى مواقع تعود إلى العصر الحجري القديم الأعلى. وعٌثر في الموقع على كسر الأواني الفخارية العادية والمزججة باللون الأخضر الغامق والأخضر العشبي، ومجموعة من كسر الأساور المصنوعة من عجينة الزجاج والمطعمة بعجائن ذات ألوان أخرى مثل الأصفر والأحمر والأزرق، إضافة إلى كسر قليلة من أواني الحجر الصابوني الرمادي التي يبدو أنها أجزاء من مسارج وأوانٍ صغيرة.

وكانت البعثة التي تضم 18 عضواً من العلماء والمتخصصين السعوديين والفرنسيين في مجال التنقيب الأثري، تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني قد كشفت في موقع عين الضلع الذي يقع في الجهة الغربية من واحة الخرج، على آثار سكن بشري يقدر عمرها بحوالي 5000 عام، وحديد يعود إلى بداية الألفية الأولى قبل الميلاد، كما تم العثور على سيف من البرونز يبلغ طوله 56 سم.

وقامت البعثة في مجال المسح الأثري بمسح مستوطنة البنَة "الخِضرمة" ومستوطنة حزم عقيلة إلى الشرق من موقع البنَة، وخط القنوات من عين فرزان حتى السلمية، وتبين من المسح وجود عدد من المزارع القديمة ومنشآتها المعمارية يعود تاريخها إلى القرن الخامس الهجري، كما تم الكشف عن عدد من النقوش الثمودية والكتابات العربية بدون تنقيط وتعد أقدم كتابة إسلامية في المنطقة الوسطى من الجزيرة العربية.

وتقع في غرب مدينة "السيح" مدافن فوق السلاسل الجبلية التي تطل على وادي الخرج وتشبه "الرجوم الحجرية"، والمدفن شكله إما مستطيل أو دائري، والتخطيط الدائري يبدو من الخارج، أما من الداخل فصمم المدفن على شكل مستطيل من أربعة " ألواح حجرية "، من الحجر الجيري، ثم يحاط المدفن برجم حجري كبير يغطي التخطيط المستطيل السفلي.